صدر أخيرا للمؤرخ والمفكر المغربي الدكتور عبد الله بوصوف، كتاب جديد، اختار له عنوانا دالا وعميقا، يكسر أفق الانتظار ويستفز السؤال، فقد جرت العادة أن نقول: “من يملك القوة يملك الحق”، إلا أن عبد الله بوصوف، وهو يترافع علميا عن مغربية الصحراء، يجدد التأكيد على أن من يملك الحق، هو حتما من يملك القوة، وبذلك فقد جاء الكتاب موسوما بهذا العنوان الموفق في التعبير عن الدينامية الترافعية التي قادتها المملكة المغربية تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في شأن ملف الصحراء المغربية.
وباعتبار المغرب صاحب حق، مشهود له بالجغرافيا والتاريخ، فإنه حسب المؤلف يملك قوة الإنجاز والفعل، وهو ما يثير أحقاد أعداء الوحدة الترابية، وهو ما يدعو في الآن ذاته إلى تقوية الأداء الترافعي دفاعا عن مغربية الصحراء، بالعودة إلى البحث التاريخي وكل ما تتيحه الآداب والعلوم الإنسانية من شواهد ووثائق غميسة، على أن المغرب كان ولا زال دولة قوية، تمتد إلى أزيد من 12 قرنا، المسبوقة قبلا بتاريخ من الشموخ الأمازيغي الطويل.
يقول عبد الله بوصوف في كتابه هذا بأن “الإسهام في الدفاع عن الوطن ضد كل عدوان أو مجرد تهديد، معناه أن تساهم في تفكيك أطروحة الخصوم والأعداء، ويعني ذلك أن يقتنع الآخرون أننا أصحاب حق بدليل التاريخ والجغرافية، ويملك الحق يملك القوة”. ويضيف قائلا في كتابه هذا الذي 42 مقالة مرافقة ومناقشة ومتتبعة لتطورات قضيتنا الوطنية، والتي توزعت على 252 صفحة من القطع الكبير، يضيف قائلا: “إن الثورة الرقمية بكل إيجابياتها وسلبياتها، تجبر الكل على تبني أساليب جديدة في الاحتجاج، والأهم أنها تفرض علينا قراءة الصورة جيدا”.
لقد جاء الكتاب غنيا بالمعطيات والحقائق التاريخية التي تترافع بنفس علمي رزين عن مغربية الصحراء، وقد جاء مكتوبا بلغة قوية وجرأة عالية في الرصد والتحليل، مناقشا كل العناصر والعلاقات التي تتدخل في ملف الصحراء المغربية، بدءا من “الشقيقة” الجزائر التي لم تحفظ الود وبقيت دائما، عبر مؤسستها العسكرية باحثة عن “عقدة البطل”. وكذا الجار الإسباني الذي تربطه بالمغرب علاقات قوية، تتعرض للتوتر أحيانا بسبب مصالح اقتصادية ضيقة، و”توريطات” جزائرية غير محسوبة، تماما كما حدث في واقعة تهريب “غالي غيث”.
لقد ناقش عبد الله بوصوف الثورة الهادئة والملهمة لإفريقيا وللمغرب الكبير، فالمغرب لم يغادر إفريقيا يوما، كما كشف آليات التضليل الإعلامي والسياسي للبوليساريو وما حدث في معبر الكركرات، وما تلا ذلك من اعترافات بمغربية الصحراء، آخرها الاعتراف الأمريكي الذي كان بمثابة آخر مسمار في نعش أطروحة الانفصال، ومن يرعاها من جنرالات الجار الشقيق.
جدير بالذكر أن كتاب “الصحراء المغربية: من يملك الحق، يملك القوة” لمؤلفه الدكتور عبد الله بوصوف، يعد وثيقة تاريخية مهمة، ترافق وتوثق الأحداث والوقائع التي عرفتها قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، فالباحث لا يكتفي بسرد الأحداث، وإنما يعمل على مناقشتها ومواجهة ماكينة التضليل الإعلامي الجزائري بالحجة والدليل، إنه يستعرض الوقائع ويذكرهم بتاريخ أسود من طرد المواطنين العزل واغتصاب الأراضي وزرع الفتنة والانفصال، والتنكر لكل قيم التاريخ المشترك ووحدة الدين واللغة والأصل.
يؤكد عبد الله بوصوف بأنه المقولات التاريخية المغربية حول الصحراء، أن المغاربة يمكن أن يختلفوا بصدد قضايا التدبير السياسي والتنموي، والاختلاف رحمة، لكنهم في حالة إجماع تام حول الملكية وحول الوحدة الترابية، فعندما يرددون باستمرار “الصحراء قضية وجود وليست قضية حدود” أو “المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها” أو ينشدون مع ناس الغيوان “العيون عينيا والصحراء مغربية، والواد وادي يا سيدي”، فإن ذلك كله يؤكد تملكهم التاريخي للحق، والذي يثمر تملك القوة، “فبالإضافة إلى قوة وجمالية اللغة، هناك عمق الهدف والمعنى، وهنا مكمن النصر…أي أن لنا عقيدة ثابتة وإيمانا راسخا بعدالة قضيتنا، وعزيمة قوية في ملف الوحدة الوطنية والترابية”.
ختاما نقول بأن عبد الله بوصوف المؤرخ والأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، يعلن من خلال كتابه هذا أنه المثقف الوطني الغيور على وطنه، والذي أهدى المكتبة المغربية عشرات الكتب باللغتين العربية والفرنسية حول قضايا ثقافية وسياسية وتاريخية مهمة، ونذكر من هذه الكتب: “إشارات مرورية وتشوير على طريق السياسة”، “الصحراء المغربية: من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”، و”ملكية مواطنة في أرض الإسلام”(بالفرنسية)، و”الإسلام والمشترك الإنساني”، و”جوانب من تاريخ إمارة نكور”، فضلا عن عشرات الكتب الفردية والجماعية، والمشاريع العلمية المهمة التي انشغلت بالإسلام وحوار الأديان والثقافات والحضارات وقضايا الهجرة والمواطنة ومغاربة العالم.