زهير عوينتي
لم يأت اللقاء العلمي “الشباب والسياسات الثقافية بالمغرب” الذي سيره د.خالد أوعسو أستاذ القانون العام بجامعة الحسن الثاني، والمنظم من طرف المركز المغربي للشباب والتحولات الثقافية بشراكة مع المركز الأفرومتوسطي للدراسات الاستراتيجية والتنمية المستدامة (أفروميد)، ومؤسسة فريدريش إبرت يومه السبت 25 نونبر من السنة الميلادية 2023 بفندق بالم بلازا بمراكش إلا محطة ضمن محطات سابقة مؤسسة لمحطة موالية تروم الترافع على قيمة وأهمية الصناعات الابداعية والثقافية داخل المغرب عبر تقديم قراءة في حصيلة وآفاق السياسات الثقافية بالمغرب في علاقتها بالشباب في ظل التحولات التي يعرفها المغرب على جميع المستويات. وقد أغنت اللقاء مدخلات أكاديمية تعتمد مقاربات مختلفة من أساتذة جامعيين متخصصين ينتمون إلى جامعات مغربية مختلفة لفائدة طلبة وباحثين، أطر تربوية وإعلامية، فاعلين اجتماعيين ومدنيين، سياسيين منشغلين بقضايا الثقافة والسياسات الثقافية، وذلك للإجابة عن جملة تساؤلات من قبيل :
هل يمكن الحديث عن وجود سياسة ثقافية عمومية في المغرب؟
هل يملك المغرب مشروعا مجتمعيا يستند إلى تصور ثقافي إدماجي للشباب بشكل واضح؟
وإن وجد هذا التصور فما مقوماته وأسسه الفكرية ؟
كيف أثرت التحولات الكبرى التي عاشها المغرب في علاقة الشباب بالثقافة ؟
ماهي المعيقات والإكراهات والإشكاليات التي تحول دون الانتقال والتحول إلى مجتمع الثقافة والمعرفة؟
وفي ظل هذه التساؤلات وأخرى، أبانت مداخلات الأساتذة أن الثقافة تحتل مكانا حيويا واستراتيجيا في تنمية الانسان وبناء جسور الانفتاح بين الحضارات والمجتمعات، وأنها مكون أساسي في مختلف السياسات العمومية المعتمدة من طرف الدول والحكومات بالاستناد إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية، علاوة على كونها تساهم في الدينامية الاجتماعية والاقتصادية.
ومن هذا المنطلق، كانت ضرورة رصد وتقييم السياسات الثقافية بالمغرب في علاقتها بالشباب كفئة اجتماعية تتفاعل مع محيطها وتتأثر بالتحولات المحلية والدولية. وعلى إثرها، كانت مداخلة د. سعيد خمري أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء قراءة نقدية من زاويتين مختلفتين متكاملتين تجمع بين خلفية علمية أكاديمية وخلفية مدنية قصد رصد وتقييم موضوع التقرير: “موقع الشباب في السياسات الثقافية بالمغرب” المنجز من طرف المركز المغربي للشباب والتحولات الديموقراطية الذي يرأسه السيد يوسف الكلاخي. وقد غطى هذا التقرير في دراسته ثلاث جهات بالمملكة هي على التوالي جهة مراكش-اسفي، درعة تافيلالت، وفاس-مكناس. وأبرز الأستاذ خمري أن أهمية التقرير تكمن في ثلاث نواح أولها منهجية إذ تضمنت دراسات ميدانية ومقاربات متنوعة كالمقاربة الدستورية، المقاربة التاريخية، والمقاربة السوسيولوجية فضلا عن اعتماد مقاربة تشاركية إضافة إلى الانفتاح على دراسات ميدانية أخرى حكومية وغير حكومية وفرت معطيات وبيانات كمية ونوعية مثل تقرير التنمية البشرية 2022. ومن ناحية ثانية فمحاور التقرير سلطت الضوء على واقع الشباب المغربي عبر الإحصاءات الرسمية ودراسة المؤشرات الديموغرافية، ومحور السياسة الثقافية بالمغرب بالوقوف على الوثيقة الدستورية ورصد البعد الثقافي فيها، ومدى حضورها في البرامج الحكومية منذ سنة 2021 حتى حدود 2013. ومن الناحية الأخيرة، مختلف الخلاصات والتوصيات التي خرج بها التقرير. إذ خلص إلى أن هناك ضعف على مستوى الميزانية المخصصة للثقافة، خصاص مهول في الأطر العاملة بالمجال الثقافي، غياب العدالة المجالية للتوزيع الثقافي، تعقد المساطر الإدارية للولوج إلى المرافق الثقافية، ضعف تمويل المشاريع الثقافية، ضعف وهشاشة المؤسسات الثقافية واللوجستيك، وكذا حضور ضعيف للبعد الثقافي في البرامج الحكومية’’…‘‘
وقد سلطت مداخلة رقية أشمال أستاذة القانون العام بكليات جامعة محمد الخامس الضوء على الحقوق الثقافية في المرجعيات الدولية ومدى ملاءمتها مع المرجعيات الوطنية وقوة النصوص الملزمة لها، وأيضا السياسات الثقافية العمومية والترابية ذات الصلة بالثقافة، كما وقفت عند مواقع تردد كلمة الثقافة في الوثيقة الدستورية 2011 مقدمة قراءة نوعية بصددها. وأكدت أن الحديث عن الثقافة هو حديث عن الهوية الثقافية بكل أشكالها، وعن ضرورة مأسسة ضمانات لحمايتها وتنميتها، ودسترة التعددية الثقافية تحقيقا للإنصاف بين الجميع. وفي خضم حديثها، بينت أن الثقافة مازالت تعاني إكراهات في التنزيل على أرض الواقع. وأرجعت المسؤولية في ذلك ليس إلى الجهات والجماعات الترابية فحسب بل أيضا إلى ضعف ترافع الديناميات الثقافية من شباب كفاعلين مدنيين وجمعيات وكل الوسطاء الثقافيين في زمن مهم هو لحظة إعداد ميزانية الدولة و الجماعات الترابية، فالحديث عن الثقافة ليس حديثا عن مسألة قطاعية بل هو حديث عن بناء تصور ثقافي إدماجي شمولي يعنى به كل الفاعلين الرسميين وغير الرسميين لجعلها مسألة استراتيجية إسوة ببلدان أخرى.
وجاءت مقاربة الأستاذ محمد أبيهي الباحث في التاريخ والتراث بجامعة محمد الخامس الرباط حول حماية التراث المادي واللامادي في ظل الكوارث الطبيعية بإشراك الشباب والجمعيات التي تعنى بالثقافة بكل أشكالها لتشجيع السياحة من خلال الحفاظ على المآثر والعمارة التاريخية و خصوصيتها التي تشكل جزء من الهوية المغربية وتعزز الاندماج الاجتماعي، وإعادة الاعتبار إليها من لدن السياسات العمومية الثقافية عبر تخصيص ميزانيات للترميم والبحث الأركيولوجي، والترويج لأهميتها التاريخية والثقافية والاقتصادية. وقد وقف عند مسجد تنمل الذي دمره زلزال الحوز كمثال حي عن العمارة الموحدية وما له من قيمة تاريخية عظمى.
وقد قدم عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بقلعة السراغنة محمد الغالي حصيلة تنفيذ البرنامج الحكومي والقطاعي في مجال الشباب والثقافة مسائلا المؤسسات الثقافية من دور شباب، مراكز التخييم، مراكز حماية الطفولة، الأندية النسوية وغيرها عن وظيفتها الثقافية وقوة حضورها في الواقع الفعلي، وكذا كيفية اشتغالها، والاستراتيجيات التي تعتمدها حتى يتم فهم حقيقة الثقافة بشكل جيد كيف هي في الواقع. وحث الشباب على ضرورة التثقيف والمطالعة لبناء شخصية قوية من شأنها مواكبة قوة التحولات المجتمعية، ذلك أن فئة عريضة من الشباب يتقنون تخصصاتهم المعرفية كالفيزياء أو القانون وغيرها ولا يلمون بجوانب ثقافية أخرى تلعب دورا معرفيا في بناء فهم صحيح للأوضاع. ففي قضاء الأسرة، مثلا، وخاصة في المجال القروي، هناك مفاهيم ومصطلحات تستعمل من طرف الأزواج المتنازعين، وقد يصعب على القاضي فهمها واستيعابها في غياب إلمامه بتلك الثقافة التي كان من المفترض تحصيلها من جهات مختلفة.