سلطت مجلة The Economist البريطانية الضوء على الوضع الحالي في الجزائر بعد مرور نحو 6 أشهر على الإطاحة بالرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، إذ اعتبرت المجلة أن الوضع بات كما هو سياسياً دون أي تقدم ملموس، فيما تراجع الشأن الاقتصادي كثيراً منذ ذلك التاريخ.
وبحسب المجلة البريطانية، لا يبدو البلد الذي عجز عن التخلص من حاكمها طوال 20 عاماً قادراً على اختيار حاكمٍ جديد. كان العديد من الجزائريين يعتقدون أنه سيكون لديهم رئيسٌ جديد بحلول اللحظة الراهنة. فبعد نجاح أشهر من الاحتجاجات في إسقاط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في أبريل الماضي، كان من المقرر عقد انتخابات في يوليو الماضي.
لكن هذا الموعد النهائي قد انقضى ولا يبدو في الأفق أي ملامح لتحديد موعدٍ جديد. ولا يزال المتظاهرون الغاضبون من الركود السياسي والاقتصادي يقصدون الشارع للتظاهر كل أسبوع. ويتساهل الجيش، الذي يمتلك السلطة الفعلية في البلاد، مع هذه التظاهرات. لكن لم يتغير أي شيء: ظل الوضع على ما هو عليه على مدار صيفٍ طويل متباطئ.
بعد إزاحة بوتفليقة من الحكم، انبرى الجيش لتفكيك قاعدة السلطة التي أسسها الرئيس السابق طوال العقدين الماضيين. إذ زُج برجال الأعمال الأغنياء مثل علي حداد، الذي كون ثروةً من عقود المشروعات الممنوحة من الدولة، إلى السجن. وسُجن أيضاً أخو الرئيس، واثنان من رؤساء الأجهزة الاستخباراتية، وغيرهم من الرموز القوية التي تعمل خلف المشهد السياسي وتسيطر على زمام السلطة.
كان ما حدث بدايةً جيدة. لكن لم تذهب عملية التحول الديمقراطي إلى أبعد من ذلك. وخشيت المعارضة أن يزور الجيش الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في يوليو الماضي. ولم يُرشح أحد نفسه تقريباً في هذه الانتخابات باستثناء مرشحين غير معروفين، أحدهما طبيبٌ بيطري. وأسس الرئيس الانتقالي عبدالقادر بن صالح (التي انتهت مدة رئاسته في يوليوالماضي) لجنةً مكونة من ستة أكاديميين وسياسيين.
بدأت اللجنة، التي أُوكلت لها مهمة صياغة خطةٍ انتقالية جديدة، عملها بطلب الإفراج عن المتظاهرين، ووقف عنف الشرطة، ومنح الصحافة والمعارضين قدراً أكبر من الحرية. لكن أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش، رفض مطالبهم.
يعم العالم العربي ثوراتٌ تمت عرقلتها. حتى في الدول التي انحاز فيها الجيش للمتظاهرين، مثلما حدث في مصر، انقلب لاحقاً ضدهم واستعاد الحكم السلطوي بالعنف. ولم يحدث هذا السيناريو بعد في الجزائر -وهو ما يعتبره نشطاء المعارضة نجاحاً متواضعاً. لكن الجيش يُصعّد تدريجياً ضغوطه على المعارضين. إذ يواصل اعتقالهم على خلفية تهمٍ مزيفة. وأُلقي القبض على العشرات لتلويحهم بعلم الأمازيغ خلال التظاهرات. وتجد المواقع الإخبارية المستقلة نفسها مغلقةً في كثير من الأحيان. وأغلقت الحكومة موقع يوتيوب في أغسطس/آب الجاري لوقتٍ قصير بعد أن نشر وزير دفاع سابق مقطع فيديو يحث خلاله الجنود على الإطاحة بالفريق قايد صالح.
وبحسب المجلة البريطانية، كان التباطؤ الاقتصادي أحد الشكاوى الرئيسية المتعلقة بحكم بوتفليقة طويل الأمد. فالجزائر واحدةٌ من أكبر الدول الأفريقية المنتجة للنفط والغاز، لكن الفساد ونظام الدعم غير الفعال بدد جزءاً كبيراً من ثروتها. وأحبطت الإجراءات البيروقراطية اللانهائية الاستثمارات الأجنبية. ويشكل الشباب غالبية تعداد السكان. وهناك عاطل بين كل أربعة أشخاص في الجزائر. وألحقت أسعار النفط المنخفضة الضرر بالموازنة. ورغم أن احتياطات النقد الأجنبي تبلغ حالياً 65 مليار دولار، فإنها لا تشكل سوى ثلث ما كانت عليه منذ خمس سنوات.
ولا يساعد الاضطراب السياسي الحالي الاقتصاد، إذ يتوقع أن يتباطأ١ الاقتصاد خلال العام الحالي بعد أن حقق نمواً متواضعاً بنحو 2.3% في 2018. كان إلقاء القبض على حلفاء بوتفليقة الفاسدين أمراً صائباً، لكن كان لهذا تداعيات قصيرة الأجل. إذ تجد شركة Fertial، وهي شركة أسمدة لها علاقة بحداد، صعوبةً في سداد رواتب موظفيها. وتجري شركة Sonatrach، شركة الطاقة الحكومية العملاقة، مباحثات مع كبرى شركات النفط الأجنبية لجذب استثمارات جديدة. وهذه المباحثات قيد الانتظار لعجز الحكومة عن تمرير قانون الطاقة الضروري لهذا القطاع.
ولم تشهد الجزائر نوعية العنف التي تلت الانتفاضة الأخيرة في السودان، ناهيك عن الفظائع التي حدثت في ليبيا وسوريا. لكنها تبدو متعثرة في مأزقٍ صعب. تريد المعارضة حكومةً منتخبةً ضمن انتخابات حرة لا تشمل الجيش. وبات الجيش، الذي لطالما كان يخشى أن يقوم بوتفليقة بتنحيته جانباً، يمتلك السلطة مجدداً ولا يرغب في التخلي عنها، بحسب المجلة البريطانية.
ويستخدم الفريق صالح أحياناً لغة الدكتاتورية المألوفة، إذ ينعت المعارضة بـ «الخونة» المصممين على تقويض الدولة.
والجزء الأخير من كلامه صحيحٌ: فالجزائريون يريدون تفكيك النظام القمعي الذي فشل في حكم البلاد بشكلٍ جيد طوال عقود. وإما أن يستجيب الفريق صالح لهم أو يسلك طريق الرجال الأقوياء الآخرين.